النفس فـي القرآن .. يوق شح نفسه
من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون اذا فهمنا الشح على انه رديف البخل او هما سواء يقدمان المعنى ذاته، فهل يمارس الانسان البخل على نفسه، بحيث جاء التوجيه الالهي في هذا النص، بأنه من يوق شح نفسه، أي بخل نفسه كان من المفلحين؟ هل الدلالة هنا تقود الى ان الانسان يبخل على نفسه أي يعاملها بمنهجية البخل في كل ما تعلق بها واستوجبا عطاء، ذلك ان البخل بمعانيه كلها، انما هو مناقض للكرم والعطاء، فهل يعني هذا ان الشحيح او البخيل، يفرض على نفسه الحرمان ذلك انه ليس بالكريم تجاهها او المعطاء؟.
يأتي هذا النص، في سياق الآية التاسعة من سورة الحشر، وهي آية طويلة تضمنت رزقه حقائق ومحددات ذات علاقة بحياة الانسان مع نفسه ومع الآخر في الوقت نفسه، وهذه الحقائق ذات دلالات عميقة تحيطها ابعاد نفسية تعكس طبيعة تعامل الفرد مع قيم حياتية اوجبتها الحقيقة العقائدية، وعكستها المواقف الايمانية التي تبين حقيقة وصدقية الايمان العقائدي الذي يفترض انه يوجد حركة حياة الفرد المؤمن، تقول الآية كاملة:.
والذين تبوأ الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون .
وصولاً الى من يوق شح نفسه ندلف الى فهم دلالة هذا النص، عبر بوابة الذين تبوأوا الدار والايمان لنكتشف في فضاء الدلالة هنا، ان المقصود هم الانصار الذين نصروا الرسول وآووه من هاجر اليهم الى ان آخى الرسول عليه الصلاة والسلام بين هذين العنصرين الاساسيين اللذين كونا نواة المجتمع الاسلامي في المدينة. هم كما وصفهم النص يحبون الذين هاجروا اليهم، بدلالة انهم لا يجدون في صدورهم حاجة أي حرج او ضغينة او ما يمكن ان يوسوس به الشيطان، لكن السؤال هنا في أي اتجاه لا يجد هؤلاء في نفوسهم حاجة، من ما اوتوا أي مما ملكوا او حازوا او اكتسبوا من سعي وراء رزق، هم ينفقونه ويتقاسمونه مع من هاجروا اليهم، لا بل انهم يؤثرون على انفسهم أي يقدمون اخوانهم من المهاجرين على انفسهم حتى ولو كان بهم خصاصة أي كانوا احوج الى ما بين ايديهم او ملكوه من غيرهم، هم يقدمون هذا لاخوانهم رغم هذه الحاجة، كل هذا افضى الى الحقيقة التي اختتمت بها الآية الكريمة نصها ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون .
ان التداعيات التي تقدمت على خاتمة هذا النص، من مظاهر الاخوة ووقائعها التي جاءت عليها وقائع المؤاخاة بين المهاجرين والانصار، هي التي اخرجت شح نفسه عن اطار المعنى الاولي الذي فهم على انه شكل آخر من البخل، في حين ان البخل انما يكون حين يضن من يملك على منح من يحتاج لأنه لا يملك، وهذا حين يقع، لا تقدر النفس على ان تقي ذاتها منه، من هنا، فان ما قيل حول معنى الشح قد يتجاوز دلالات البخل.
قال طاووس: البخل ان يبخل الانسان بما في يده والشح أن يشح بما في ايدي الناس، ان يحسدهم على ما يملكون ويتمنى لو كان ما عندهم عنده بالحلال والحرام، ولا يقنع.
وروى انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو اللهم اني اعوذ بك من شح نفسي، واسرافها ووساوسها .
وقال كسرى: الشح اضر من الفقر، لأن الفقير اذا وجد شبع، والشحيح اذا وجد لم يشبع ابداً ..
والله اعلم.
منقوووول
عبد الله حجازي
